سباق الذكاء الاصطناعي العالمي- أين موقعنا العربي والإسلامي؟

المؤلف: د. سليمان صالح08.09.2025
سباق الذكاء الاصطناعي العالمي- أين موقعنا العربي والإسلامي؟

يشهد العالم بأسره تنافساً حاداً وغير مسبوق، قد يغير مسار تاريخ البشرية. هذا التنافس المحموم تتصدره قوى عالمية عملاقة كالولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا، و يتمحور حول تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي المتطورة. نتيجة هذا السباق المصيري ستنعكس بشكل مباشر على موازين القوى العالمية وتوازنها. والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، أين يمكن لمنطقتنا العربية والإسلامية أن تجد لها موطئ قدم في هذا المعترك التنافسي الشرس؟

في عام 2017، صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعبارة تحمل في طياتها الكثير من المعاني والدلالات، قائلاً: "إن الذكاء الاصطناعي هو مستقبل روسيا بل والبشرية جمعاء، والقوة التي ستقود مسيرة التطور في هذا الميدان ستكون هي المهيمنة على العالم". لم تكن هذه الكلمات مجرد تكهنات من شخص يملك القدرة على استشراف المستقبل، بل كانت إشارة واضحة من أحد صناع القرار في دولة عظمى، يكشف بكل صراحة عن حقيقة الصراع الدائر بين القوى الكبرى.

تقويض موازين القوة العسكرية التقليدية

هذا التنافس الشرس يتجسد على أرض الواقع في العديد من الميادين. ففي الولايات المتحدة والصين وأوروبا، تم تشكيل لجان متخصصة تضم نخبة من الخبراء والباحثين، لدراسة تأثير التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي على الأمن القومي لتلك الدول، واستكشاف السبل المثلى للاستفادة القصوى من هذه التقنيات الحديثة.

ومن بين أبرز الاستنتاجات التي توصلت إليها تقارير هذه اللجان المختلفة، أن أنظمة الذكاء الاصطناعي ستحدث تحولات جذرية في أساليب الحروب ووسائلها وأسلحتها. فالسؤال الذي يطرح نفسه بقوة، ما الحاجة إلى الجيوش الجرارة والأسلحة التقليدية، إذا كان بالإمكان تدمير الدول من خلال السيطرة على تدفق المعلومات، وتعطيل قدراتها على التفكير واتخاذ القرارات الصائبة، ومواجهة تحديات عالم جديد يشهد تغيرات مستمرة في موازين القوى؟

في أغسطس/آب من عام 2019، أطلق وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر، تحذيراً شديد اللهجة، من أن الذكاء الاصطناعي سيؤدي حتماً إلى تطوير أسلحة واستراتيجيات عسكرية جديدة، ستكون نتيجتها المحتومة هي تقويض موازين القوة العسكرية التقليدية. وعلى إثر ذلك، قام الكونغرس الأمريكي بتشكيل لجنة متخصصة لدراسة تأثير الذكاء الاصطناعي على الأمن القومي الأمريكي.

وفي مارس/آذار من عام 2021، قدمت اللجنة تقريراً مفصلاً، تضمن اقتراح إستراتيجية متكاملة لإدارة الصراع وتعزيز القوة. وبناءً على ذلك، قامت الولايات المتحدة بزيادة الإنفاق بشكل ملحوظ على تطوير قدراتها في استخدام الذكاء الاصطناعي في المجالات العسكرية وصناعة الأسلحة المتطورة.

وفي المقابل، لا تقف الصين مكتوفة الأيدي، بل تنفق ببذخ على تطوير الاستخدامات العسكرية للذكاء الاصطناعي، الأمر الذي يثير قلق الأمريكيين بشكل متزايد. فالصين تستثمر في طاقات علمائها وخبرائها لتطوير أساليب وأدوات حروب المستقبل، وهذا يهدد التفوق العسكري الأمريكي الذي طالما تباهت به.

ومما يزيد من حدة قلق الولايات المتحدة، هو التفوق الذي أحرزته النظم التعليمية الصينية في تعليم الرياضيات وتدريب الخبراء، وهو ما أشارت إليه تقارير لجان أمريكية تحدثت عن مفهوم "فجوة الابتكار" بين البلدين لصالح الصين. ونتيجة لهذه العوامل مجتمعة، اعتبر الرئيس الأمريكي جو بايدن أن مستقبل العلاقة مع الصين سيحكمه التنافس الحاد والمحتدم.

الذكاء الاصطناعي وتعزيز القوة الاقتصادية

لا يقتصر تأثير أنظمة الذكاء الاصطناعي على القوة العسكرية فحسب، بل يمتد ليشمل كافة المجالات، وعلى رأسها الاقتصاد. ويمكن القول بكل ثقة إن مستقبل الاقتصاد العالمي سيتحدد إلى حد كبير في ضوء نتائج السباق المحتدم في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والتي من المتوقع أن يصل حجم الإنفاق عليها إلى 13 تريليون دولار بحلول عام 2030.

أشارت التقارير إلى أن الصين قد تمكنت بالفعل من استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات المستهلكين بدقة متناهية، والتنبؤ بسلوكهم في الإنفاق، وهذا يوفر ميزات تنافسية كبيرة لمنتجاتها في الأسواق العالمية.

وفي المقابل، تتمتع الشركات الأمريكية العملاقة، مثل غوغل ومايكروسوفت وأمازون وفيسبوك وآبل، بميزات نسبية خاصة في هذا المجال. ولكن ما هو مصير الشركات الصغيرة والأسواق التي لا تجد دعماً من أنظمة الذكاء الاصطناعي؟ هل يمكن لهذه الشركات والأسواق أن تصمد أمام التحديات الهائلة التي تفرضها التقنيات الحديثة، أم ستضطر إلى التوقف عن العمل أو الاندماج في الشركات الكبرى، مما ينذر بأزمات اقتصادية وخيمة؟

قائمة المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي تتضمن احتمالات نشوب مواجهات عسكرية مدمرة، وفقدان للسيادة الوطنية، واندلاع حروب أهلية طاحنة… إلخ، فماذا أعدت المنطقة لمواجهة كل هذه التحديات الجسام؟

الاتحاد الأوروبي هو أحد الجهات القلقة بشأن مستقبلها في ظل هذا السباق التكنولوجي المحموم. فاللجان التي شكلها الاتحاد حذرت من خطورة المنافسة الشرسة في مجال الذكاء الاصطناعي على سيادة الدول الأوروبية وقدرتها على التحكم في مصيرها.

وأشار أحد التقارير إلى ما أسماه بمفهوم "السيادة الرقمية"، الذي سيؤدي إلى إعادة توزيع القوة بين الدول، وإعادة تشكيل العلاقات الدولية بصورة جذرية.

وفي عام 2020، تم عقد مؤتمر ميونخ للأمن، الذي عبرت فيه الدول الأوروبية عن حيرتها وقلقها إزاء التحديات التي يفرضها التطور المتسارع للذكاء الاصطناعي، والدور الذي يمكن أن يلعبه في الصراعات المستقبلية.

أشار المؤتمر إلى ضعف أوروبا في مجال الذكاء الاصطناعي، وعدم قدرتها على منافسة الولايات المتحدة والصين، وأنه يصعب عليها أن تكون لاعباً أساسياً في "هندسة البيانات" لعدم قدرتها على توفير التمويل اللازم لتطوير نظمها المعلوماتية، وهذا سيؤثر سلباً على كافة الصناعات الأوروبية.

مفهوم آخر مثير للقلق أشارت له التقارير الأوروبية في مجال الذكاء الاصطناعي، هو "القومية السيبرانية"، إذ تخشى هذه الدول من أن يتيح استخدام الذكاء الاصطناعي في تبادل مجموعات من سكانها معلومات قد تثير لديهم رغبة في أن يؤسسوا لأنفسهم قومية جديدة تميزهم عن دولهم، وربما تبعث الرغبة في تشكيل دول جديدة، مما قد يثير حروبا أهلية مدمرة.

يشير التقرير أيضاً إلى تعدد اللغات داخل الاتحاد الأوروبي باعتباره عقبة أمام تطوير قدرات أوروبا في مجال الذكاء الاصطناعي، وإلى مخاوف من خطر استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة جبارة للدعاية السياسية السوداء، تغرق الجماهير المستهدفة بمعلومات مضللة وغير حقيقية. وإذا كانت الصين قد نجحت قبل تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي في تشكيل جيش من الحسابات الزائفة عبر "تويتر" لنشر دعايتها، فكيف ستكون الحال في المستقبل؟!

مستقبل المنطقة العربية والإسلامية

وبعد هذا الاستعراض الموجز لأبعاد هذا السباق التكنولوجي المحموم، نعود إلى منطقتنا التي تواجه خطراً محدقاً، لا يقل خطورة عما واجهته في الماضي، بل قد يكون أشد وطأة. وكما رأينا في السطور الماضية، فإن قائمة المخاوف تتضمن احتمالات نشوب حروب عسكرية مدمرة، وفقدان للسيادة الوطنية، واندلاع حروب أهلية طاحنة… إلخ، فماذا أعددنا لمواجهة كل هذه التحديات الجسام؟

إذا استمر النهج الحالي الذي يستخدم التكنولوجيا (وأنظمة الذكاء الصناعي المستوردة) لمراقبة المواطنين والتضييق عليهم، ومحاصرة إبداعاتهم، وتكبيل المجتمع العلمي، فإننا نسير بخطى حثيثة نحو الخروج من التاريخ. ولكن إذا قررنا استغلال مواردنا البشرية والعلمية الهائلة، فربما نستطيع أن نجد لأنفسنا موقعاً على خارطة النفوذ والتأثير، لأن المورد الأساسي الذي يقود مسيرة التطور في هذا المجال، سيظل هو المورد البشري الذي يحظى بالدعم والحماية وحرية الحركة والتفكير والإبداع.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة